تشرح الكاتبة في مقدمة التقرير كيف تواجه أسئلة متكررة عن السودان، بين القلق على عائلتها وبلدها، وبين رغبة الناس في فهم كيف تحوّل الصراع إلى حرب ضارية بلا أفق. توضح أن الصدمة ما زالت ثابتة بعد ثلاث سنوات من اندلاع القتال، إذ يواجه السودانيون كل يوم حالة من الذهول أمام انهيار بلدهم بهذه السرعة المروعة.

 

يشير التقرير نقلاً عن الجارديان إلى أن الحرب لا تزال تبدو حدثًا غير قابل للتصديق، خصوصًا لمن يعيشها. الخارج ينظر إليها كأزمة سياسية أو عنوان عابر، بينما يعيش أهل البلد عبئها الكامل، وسط واقع يومي مرهق يتكرر بلا نهاية.

 

جذور طويلة وأخرى قصيرة للحرب

 

يمتد التاريخ الطويل للصراع في السودان عبر عقود من تركز السلطة والثروة في يد قلة، وتهميش جهات واسعة مثل دارفور التي شهدت تنافسًا على الموارد وصراعات عرقية بين العرب والأفارقة. ارتكب الجنجويد مجازر ضد السكان غير العرب مطلع الألفية، بدعم من السلطة المركزية، ما سمح بنمو ميليشيات مسلحة قوية. الميراث الأوضح لذلك هو قوات الدعم السريع، التي خرجت من رحم تلك المجموعات وتواجه الآن الجيش السوداني في حرب مفتوحة.

 

أما التاريخ القصير فيبدأ مع ثورة 2019 التي أطاحت بعمر البشير بعد حكم دام ثلاثة عقود. طالب السودانيون بإبعاد البشير وإخراج الجيش من الحكم نهائيًا. دخلت قوات الدعم السريع في شراكة انتقالية مع الجيش وقوى مدنية، لكن الشراكة انهارت سريعًا. انقلب الجيش والدعم السريع على المدنيين، ثم على بعضهما البعض، واتضح أن السودان لا يتسع إلا لقوة مسلحة واحدة.

 

ما هو الصراع؟ وما الذي ليس منه؟

 

يصف البعض الحرب بأنها "حرب أهلية"، لكنها ليست كذلك؛ المدنيون لم يحملوا السلاح ضد بعضهم، بل دفعوا ثمن الصراع على السلطة بين قوتين عسكريتين. ويتكرر وصف الحرب بأنها "منسية"، بينما الحقيقة أنها مُهمَلة ومُتجاهَلة أكثر منها منسية، بدليل ضعف تمويل خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة، واستمرار معاناة الملايين بلا اهتمام دولي كافٍ. تقلّص الدور الأمريكي في إفريقيا خلال إدارة ترامب، ما زاد معاناة السودان. ورغم ذلك، يواصل الصحفيون والحقوقيون السودانيون توثيق الجرائم وجمع المساعدات قدر استطاعتهم.

 

يردد البعض أن الصراع "حرب بالوكالة"، لكن الصورة ليست متكافئة. يظهر تأثير خارجي رئيسي واحد: الإمارات التي ضخت المال والسلاح في يد قوات الدعم السريع بينما تنكر أي علاقة. تسعى أبوظبي لتعزيز نفوذها في بلد غني بالذهب وذو موقع استراتيجي، ما يجعل السودان ورقة جيوسياسية شديدة الأهمية.

 

في جوهره، الصراع هو معركة وجود بين "الحرس القديم" المتمثل في الجيش وما يرتبط به من مصالح ونفوذ متجذر، وبين ميليشيا حديثة راكمت ثروة وقوة هائلة خارج بنية الدولة، وتسعى الآن لانتزاعها.

 

الحصاد القاسي للحرب

 

يقف التقرير أمام ضخم المأساة: ملايين النازحين، مئات الآلاف من القتلى المقدر عددهم، جرائم العنف الجنسي، وانهيار الحياة اليومية. تروي الكاتبة كيف فقدت عائلتها منزلها في الخرطوم بعد أن استولت عليه قوات الدعم السريع ونهبته ثم خربته، حتى اقتلعت المواسير والأسلاك من الجدران. يتشتت كبار السن في منفى قاسٍ، وتزداد معاناة العائلات مع كل يوم يمر.

 

يصف التقرير مجازر ممنهجة في دارفور ضد السكان الأفارقة، في مشهد يعيد جراح الإبادة السابقة. سقطت مدينة الفاشر، أكبر معقل للجيش في الإقليم، في يد الدعم السريع بعد حصار دام عامًا ونصفًا، وتظهر شهادات عن إعدامات ميدانية ودماء تغرق الأرض. عززت قوات الدعم السريع سيطرتها على غرب البلاد، بينما بقي باقي السودان تحت سيطرة الجيش، في تقسيم فعلي للبلد.

 

لا يملك أي طرف القدرة على حسم الحرب، ولا تظهر القوى الغربية رغبة حقيقية في الضغط على رعاة الأطراف أو التدخل لتغيير مسار الصراع، ما يترك المدنيين وحدهم في مواجهة الكارثة.

 

مستقبل غائم

 

تستعرض الكاتبة الشعور الذي يرافق أهل الحرب عادة: عجز عن تخيل مستقبل مختلف. يظل عقلها متمسكًا بحلم عودة الأمور إلى ما كانت عليه، كأن البلد يمكن أن يلملم أشلاءه ويسترجع أيامه. لكنها تعترف بأن هذا السيناريو غير واقعي. يبقى الأمل الوحيد أن يزداد وعي العالم بحجم الكارثة، وأن يتحول الصراع السوداني من خبر حزين إلى قضية ملحّة لا يمكن للعالم تجاهلها.


https://www.theguardian.com/news/2025/nov/19/an-existential-battle-of-interests-what-the-sudanese-war-is-actually-about